"الاستقلال التام أو الموت الزؤام".. لك أن تتخيل أن بائع الكشري وبائع الخضار، وماسح الأحذية والفلاح، والطالب والمثقف والمناضل السياسي؛ كلهم كانوا ينطقونها بأعلى صوتهم.. هذا يعني أن جميع هذه الفئات كانت تعلم ما معنى كلمة "زؤام".. أي والله هذا أول ما لفت نظري أن المواطن البسيط وهو يرفع هذا الشعار يعلم أن الموت الزؤام هو الموت السريع الكريه على يد العدو..
أما الذي يدفعني لهذا الاندهاش؛ فهو أنني سألت شريحة لا بأس بها من الزملاء، أصحاب المهنة والمثقفين والطلاب، عن معنى هذا النداء؛ فلم يفهم أحد منهم ما كان يفهمه المواطن البسيط الذي يطالبون بقتله لمجرد أنه خرج ليقول إنه غير راض عن أداء الحكومة..
فهل مصر دولة محتلة؟ وهل الشعب المصري هو عدوها اللدود؟ وهل عدنا لعشرات السنوات البائدة عندما كانت جموع الشعب تخرج للشوارع والميادين لتقف أمام الجنود الإنجليز ليطالبوا بالاستقلال فينهال عليهم الرصاص.. وهل يريد سيادة النائب القصاص أن يتعامل المتظاهرون مع عساكر الأمن المركزي باعتبارهم جنود الاحتلال؛ فيطالب أعضاء المجلس الموقّر بإباحة إطلاق النار على المتظاهرين لأن لهم صوتاً يجهرون به!
هل يريد النائب الوطني!! نشأت القصاص أن يعيد علينا هذا المشهد التاريخي لبعض من جموع الشعب وهم يزأرون: الاستقلال التام أو الموت الزؤام.. ليرى العالم هذا الاحتلال الجديد وهو يقتل أبناء مصر.. مع فارق بسيط هو أن الذي يحمل السلاح هذه المرة هم إخوانهم من رجال الشرطة.. أم أنه بطلبه هذا يخرج علينا بمظاهرة ليس فيها غيره رافعاً صوته ومطالباً أعضاء الحكومة بالاحتلال التام لمصر أو الموت الزؤام لشعبها!
فماذا يظن هؤلاء في هذا الشعب، وكيف يجرؤ نائب يمثل مجموعة من المواطنين، أن يطالب بإطلاق الرصاص عليهم إذا خرجوا في مظاهرة سلمية، وكأنه يتعامل مع مجموعة من الكلاب الضالة وليس بشراً من أهله.
إن موقف النائب من هؤلاء المتظاهرين والمطالبة بإطلاق الرصاص على من يحذو حذوهم، يذكرنا بذلك النموذج الفاشيّ الفاشل الذي قدّمه عاطف الطيب في صورة مسئول المعتقل في فيلم البريء، ويجعلنا نعود لتذكر صور عساكر الأمن المركزي وهم يبطشون بخيرة شباب هذا البلد باعتبارهم أعداء النهضة التي تريدها الحكومة كما فهموا؛ حتى إن الجندي الوطني المُغيَّب الموهوم "سبع الليل" -الذي قام بأداء دوره أحمد ذكي- كان في قمة فخره وسعادته وهو يقتل أحد المناضلين من أجل التغيير، وظهر وهو يصفه بأنه عدو الله والوطن.. وظل سعيداً ببطولته الزائفة حتى جاء اليوم الذي يقتل فيه نفسه حزناً وكمداً بعدما أدرك جهله.
فما لهؤلاء لا يدركون أنهم بتفصيل كل القوانين المقيدة للحريات، والمكممة للأفواه، والتي تضع قنبلة موقوته على شفاه الأحرار؛ يسحقون وجه مصر المشرق ويدفنون حلمها ويهيلون عليه التراب..
إن سيادة النائب لم يكتف بأن أهل دائرته لا يعرفونه ولا يشاهدون طلعته البهية، وأنه منشغل بمصالح نفسه عن مصالح ناخبيه -لو كان له ناخبون غير الموتى والمكررين- وأنه لا يمثلهم تمثيلاً حقيقياً تحت قبة البرلمان.. لم يكتفِ بهذا؛ فقرر أن يمثّل بهم، ويشرّد أهلهم وييتم أطفالهم بعد إطلاق الرصاص عليهم في ميدان من ميادين هذا البلد المنكوب بحكومته منذ آلاف السنين..
وكأنه ينبه حكومته إلى أن مصر المعتلة التي أصابها الفقر والعَوَز وهاجمها فيروس "سي" والفشل الكلوي وأمراض القلب والشرايين وشتى أنواع السرطان؛ مصر المعتلة بالهواء الملوّث والطعام الملوث والماء الملوث، والتي أصابتها الشيخوخة ونامت راقدة هامدة.. مازال يُسمَع لها أنين وهي في غرفة الإنعاش..
وبعد التنبيه الثوري للسيد القصاص أراد أن يقوم بدور الزعيم المناضل؛ فطالب حكومته أن تسارع بإعداد نعش مصر وتحويلها من مصر المعتلة بتردّي أحوالها، إلى مصر المحتلة بعساكرها وضباطها، وأن يحيطوا غرفة إنعاشها بالأسلاك الشائكة، ويضعوا الألغام تحت أقدامها؛ فإذا ما قامت من رقادها وعلا صوتها وتجاوزت ألغام قانون الطوارئ وقانون التجمهر وكل بنود قانون الإرهاب، وخرجت من غرفتها؛ وجدت قناصاً يضربها في صدرها ورأسها ليخرس صوتها للأبد..
أما الشيء المؤكد بعد كل هذه المعاناة؛ فهو أن أنين هذه الفتاة الرائعة بديعة الجمال التي أصابتها الشيخوخة بفعل فاعل يؤرق الفاسدين وأصحاب الممالك في قصورهم، ويصل إلى غرف نومهم ليقلق مضاجعهم ويثير مخاوفهم؛ غير أنه لم يصل وخزه إلى ضمائرهم.. ربما لأنهم اغتالوها برصاص الطمع قبل أن يدفنوها في أرض النسيان.
أما الذي يدفعني لهذا الاندهاش؛ فهو أنني سألت شريحة لا بأس بها من الزملاء، أصحاب المهنة والمثقفين والطلاب، عن معنى هذا النداء؛ فلم يفهم أحد منهم ما كان يفهمه المواطن البسيط الذي يطالبون بقتله لمجرد أنه خرج ليقول إنه غير راض عن أداء الحكومة..
فهل مصر دولة محتلة؟ وهل الشعب المصري هو عدوها اللدود؟ وهل عدنا لعشرات السنوات البائدة عندما كانت جموع الشعب تخرج للشوارع والميادين لتقف أمام الجنود الإنجليز ليطالبوا بالاستقلال فينهال عليهم الرصاص.. وهل يريد سيادة النائب القصاص أن يتعامل المتظاهرون مع عساكر الأمن المركزي باعتبارهم جنود الاحتلال؛ فيطالب أعضاء المجلس الموقّر بإباحة إطلاق النار على المتظاهرين لأن لهم صوتاً يجهرون به!
هل يريد النائب الوطني!! نشأت القصاص أن يعيد علينا هذا المشهد التاريخي لبعض من جموع الشعب وهم يزأرون: الاستقلال التام أو الموت الزؤام.. ليرى العالم هذا الاحتلال الجديد وهو يقتل أبناء مصر.. مع فارق بسيط هو أن الذي يحمل السلاح هذه المرة هم إخوانهم من رجال الشرطة.. أم أنه بطلبه هذا يخرج علينا بمظاهرة ليس فيها غيره رافعاً صوته ومطالباً أعضاء الحكومة بالاحتلال التام لمصر أو الموت الزؤام لشعبها!
فماذا يظن هؤلاء في هذا الشعب، وكيف يجرؤ نائب يمثل مجموعة من المواطنين، أن يطالب بإطلاق الرصاص عليهم إذا خرجوا في مظاهرة سلمية، وكأنه يتعامل مع مجموعة من الكلاب الضالة وليس بشراً من أهله.
إن موقف النائب من هؤلاء المتظاهرين والمطالبة بإطلاق الرصاص على من يحذو حذوهم، يذكرنا بذلك النموذج الفاشيّ الفاشل الذي قدّمه عاطف الطيب في صورة مسئول المعتقل في فيلم البريء، ويجعلنا نعود لتذكر صور عساكر الأمن المركزي وهم يبطشون بخيرة شباب هذا البلد باعتبارهم أعداء النهضة التي تريدها الحكومة كما فهموا؛ حتى إن الجندي الوطني المُغيَّب الموهوم "سبع الليل" -الذي قام بأداء دوره أحمد ذكي- كان في قمة فخره وسعادته وهو يقتل أحد المناضلين من أجل التغيير، وظهر وهو يصفه بأنه عدو الله والوطن.. وظل سعيداً ببطولته الزائفة حتى جاء اليوم الذي يقتل فيه نفسه حزناً وكمداً بعدما أدرك جهله.
فما لهؤلاء لا يدركون أنهم بتفصيل كل القوانين المقيدة للحريات، والمكممة للأفواه، والتي تضع قنبلة موقوته على شفاه الأحرار؛ يسحقون وجه مصر المشرق ويدفنون حلمها ويهيلون عليه التراب..
إن سيادة النائب لم يكتف بأن أهل دائرته لا يعرفونه ولا يشاهدون طلعته البهية، وأنه منشغل بمصالح نفسه عن مصالح ناخبيه -لو كان له ناخبون غير الموتى والمكررين- وأنه لا يمثلهم تمثيلاً حقيقياً تحت قبة البرلمان.. لم يكتفِ بهذا؛ فقرر أن يمثّل بهم، ويشرّد أهلهم وييتم أطفالهم بعد إطلاق الرصاص عليهم في ميدان من ميادين هذا البلد المنكوب بحكومته منذ آلاف السنين..
وكأنه ينبه حكومته إلى أن مصر المعتلة التي أصابها الفقر والعَوَز وهاجمها فيروس "سي" والفشل الكلوي وأمراض القلب والشرايين وشتى أنواع السرطان؛ مصر المعتلة بالهواء الملوّث والطعام الملوث والماء الملوث، والتي أصابتها الشيخوخة ونامت راقدة هامدة.. مازال يُسمَع لها أنين وهي في غرفة الإنعاش..
وبعد التنبيه الثوري للسيد القصاص أراد أن يقوم بدور الزعيم المناضل؛ فطالب حكومته أن تسارع بإعداد نعش مصر وتحويلها من مصر المعتلة بتردّي أحوالها، إلى مصر المحتلة بعساكرها وضباطها، وأن يحيطوا غرفة إنعاشها بالأسلاك الشائكة، ويضعوا الألغام تحت أقدامها؛ فإذا ما قامت من رقادها وعلا صوتها وتجاوزت ألغام قانون الطوارئ وقانون التجمهر وكل بنود قانون الإرهاب، وخرجت من غرفتها؛ وجدت قناصاً يضربها في صدرها ورأسها ليخرس صوتها للأبد..
أما الشيء المؤكد بعد كل هذه المعاناة؛ فهو أن أنين هذه الفتاة الرائعة بديعة الجمال التي أصابتها الشيخوخة بفعل فاعل يؤرق الفاسدين وأصحاب الممالك في قصورهم، ويصل إلى غرف نومهم ليقلق مضاجعهم ويثير مخاوفهم؛ غير أنه لم يصل وخزه إلى ضمائرهم.. ربما لأنهم اغتالوها برصاص الطمع قبل أن يدفنوها في أرض النسيان.