الرأي العام بلبنان مصدوم
جاء خبر مقتل الشاب المصري بقرية "كترمايا" بلبنان والتمثيل بجثته، ليتصدر كافة الأخبار والفقرات التي عرضتها برامج التوك شو المختلفة، ولقد كانت التغطية الأفضل للحدث في برنامج "العاشرة مساءً"، الذي قام بمتابعة الموضوع على عدة مستويات..
فقامت الإعلامية "منى الشاذلي" بالتعريف بالحادث والقتيل، وكذلك أجرت تغطية متميزة باتصالها بعدة أطراف مصرية ولبنانية لمعرفة كل من الرأي العام والحكومي على مستوى البلدين (مصر ولبنان)..
ولم يتجاهل البرنامج أسرة وأهل القتيل؛ لذا فقد قدّموا تقريراً مصوراً من الجمالية -حيث يقطن القتيل- ليتعرفوا على آراء أسرته وجيرانه.
عن القتيل والحادث
بدأ البرنامج بقيام "منى الشاذلي" بالتعريف بملابسات الحادث.. فالقتيل "محمد مسلم" تمّ قتله في قرية "كترمايا" ببيروت، وهي إحدى قرى جبل لبنان؛ وذلك انتقاماً من اتهامه بقتل 4 أفراد (جد وجدة وحفيديهما)..
تساءلت "منى" عن حالة الغموض التي تسيطر على الموقف؛ فشهود عيان يؤكدون أن سبب الجريمة الأولى، حادث اغتصاب قام به "مسلم" لفتاة من هذه الأسرة، ثم طلب الزواج بها؛ ولكن الأسرة رفضت ذلك، وهكذا قام بقتل الضحايا الأربعة. وفي الوقت ذاته هناك من يرفض قصة الاغتصاب، ويؤكد أنه أراد الزواج فقط.
ومقابل هذا التضارب في الجريمة الأولى؛ فهناك وضوح كامل في الجريمة الثانية، تكلّمت عنه منى الشاذلي، بمزيج من الاستنكار والاستبشاع للجريمة؛ فلقد قام أغلب أهل القرية (بخطف) مُسلم، عندما عاد إلى القرية بصبحة الشرطة للقيام بتمثيل الجريمة، ثم قاموا بسحله وضربه وقتله، فالتمثيل بجثته؛ حيث قاموا بشنقه وتعليقه في ساحة القرية، والتهليل والتقاط الصور بكاميرات المحمول تحت جثته.
صور مريعة لم تُجدِ معها محاولات التخفيف
ثم قام البرنامج بعرض صور لعملية القتل والتمثيل بالجثة، قامت قبلها منى الشاذلي، بتحذير أصحاب القلوب الضعيفة، ومَن لا يستطيعون مشاهدة اللقطات البشعة، من مشاهدتها؛ مؤكدة أن البرنامج قد قام بأقصى جهده في التقليل من عنف وبشاعة الصور؛ إلا أنها حتى بعد كل هذه المحاولات مازالت الصور على درجة كبيرة من البشاعة..
واستنكر البرنامج فكرة القتل الجماعي؛ فلقد أكّدت منى الشاذلي أن فكرة القتل في حد ذاتها -سواء في الجريمة الأولى أو الثانية- مرفوضة؛ ولكن جرائم الأفراد التي تمثّلها الجريمة الأولى أمر مفهوم ومتكرر، أما جرائم الجماعات فممقوتة.. لما تعبّر عنه من وحشية وسلوك جماعي غير سويّ.
الرأي العام بلبنان مصدوم إلا قليلاً
علّقت "منى" على ردود فعل الجرائد اللبنانية؛ حيث ذكرت أن الجرائد خرجت في اليوم الأول حيادية، وبعضها يحتفي بفعلة أهل القرية لقيامهم بالثأر من القاتل؛ إلا أنها في الأيام التالية، تغيرت لهجتها وتحولت إلى استنكار للجريمة ووصفها بالبشاعة؛ بل وذكرت جريدة "الأخبار اللبنانية" الحادث بعنوان "الثأر المجنون"..
وفي مداخلة هاتفية مع الكاتبة اللبنانية "فاطمة ريدا" -الكاتبة بجريدة الحياة اللندنية- وردًّا على سؤال منى الشاذلي حول ردود الفعل اللبنانية تجاه الجريمة؟
أكدت "ريدا" أن هناك جريمتين بشعتين؛ الأولى في حق شيخين وطفلين، وقد هزّت لبنان بأكملها، أما الثانية؛ فقد أتت لتقلب الموازين؛ معبّرة عن عدم قبولها لمثل هذه الجريمة سواء كان القتيل مصرياً أو لبنانياً.
وقد قاطعتها منى مستفسرة عن ردّ فعل رجل الشارع، باعتبار أن ردود أفعال الصحف تعبّر عن صفوة مثقفي أي بلد، أما ما يراد معرفته؛ فهو رأي رجل الشارع.
وهنا أكّدت الكاتبة أنها تتكلم عن رجل الشارع؛ فآراء الصحفيين يمكن معرفتها عبر الجرائد، وأوضحت أن الرأي العام بلبنان مصدوم من هذه المشاهد؛ مستثنية قلّة من المواطنين التي توافق على ما حدث.
موضّحة أن صدمة الرأي العام من الجريمة الثانية تفوق الأولى، كما أن أغلب الاعتراضات وُجّهت لفكرة التقصير من جانب الأمن في حماية المتّهم وتركه بين أيدي قاتليه.
الشعب المصري اعتبر اللبنانيين ودودين؛ لذا كانت الصدمة
وفي مداخلة هاتفية أخرى مع السفير "محمد بسيوني" -رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى- تساءلت منى الشاذلي عن بعض الأقوال التي بدأت في الظهور من كون مثل هذه الحوادث لا تحدث إلا للمصرين نتيجة استهانة الآخرين بهم.
فجاء رد السفير؛ مؤكداً أن الجريمة لا علاقة لها بجنسية القتيل؛ بل هما جريمتان: الأولى لشخص قتل والأخرى تتعلق بالثأر من مجموعة مواطنين بشكل غير مقبول.
ثم أوضح السفير تعاون الجانب اللبناني، وكذلك اعتراض الرأي العام بلبنان، وأكد السفير على ضرورة اعتبار الجريمة مجرد جريمة فردية، وليست جريمة موجّهة إلى الشعب المصري.. موضحاً أن الرأي العام في مصر طالما اعتبر اللبنانيين شعباً ودوداً وحلو المعشر، ولذا فالشعب المصري مصدوم بشدة من عنف الجريمة.
الأمن أخطأ فأحضر القاتل وقت دفن قتلاه
أما المداخلة الهاتفية الثالثة؛ فأتت مع رئيس تحرير جريدة الآداب البيروتية "سماح إدريس"، وقد طلبت منه منى الشاذلي أن يتوقع ردود الأفعال التالية على الحدث، وهل هناك أزمة طائفية في المشكلة.
وأجاب سماح بأن الحكومة قد قبضت على عشرات بالفعل من مواطني القرية، وأن الطائفية لا دخل لها في هذه الحالة؛ حيث إن أغلبية القرية من المسلمين السنة، وكذلك القتيل، وأكد على أن الخطأ الأكبر يقع على عاتق الأمن الذي تهاون؛ فأحضر القتيل إلى القرية في لحظة دفن ضحايا الجريمة الأولى، وكذلك لم تهتمّ الشرطة بأن تؤمّن عدداً أكبر من أفرادها أثناء دخول القرية؛ مما سهّل عملية اختطاف القتيل.
الإسرائليون يصيدون في الماء العكر.. كالعادة
ثم أوضح البرنامج أن الصحافة الإسرائيلية علّقت أمس على الجريمة؛ رابطة بين الأحكام الصادرة في قضية حزب الله وبين الجريمة؛ إلا أن إدريس رفض هذا الربط؛ مؤكداً عدم وجود أي رابط، وأن المشكلة ليست مشكلة بين شعبين، وأن الشعب اللبناني يفصل تماماً بين مواقف الحكومة المصرية والشعب المصري؛ مؤكداً أن هذا العرض هو الصورة التي يريد الإسرائيليون تصويرها لسيناريو الحادث.
عمة القتيل تعِد "بنار قايدة" لو لم تعد جثة "مسلم"
وفي التقرير المصوّر تم إجراء حوارات سريعة مع عائلة القتيل بالجمالية؛ حيث أوضح والده لبرنامج "العاشرة مساءً" أنهم لم يتلقوا عزاء ابنهم، وأنهم لن يتلقوه الآن؛ في ذات الوقت تكلّمت عمة القتيل مطالبةً الرئيس بإعادة جثة ابنهم؛ ذاكرة أن إعادة الجثة هو ما يمكن أن يقوم بتهدئتهم، وإن عدم إحضار الجثة لدفنها في مصر وأي محاولة لدفنها في لبنان؛ ستحوّل الأمور إلى "نار قايدة" تبعاً لتعبير عمة القتيل.
أما شقيق القتيل فقد اكتفى بقول "حرام واحد بعد ما مات يشوّهوه".
ولقد قام التقرير باستطلاع آراء المواطنين العاديين تجاه الجريمة؛ حيث أوضح عدد من المارة أن الإسلام لا يدعو لهذا، وأنه أمر غير متوقع بين دولة عربية وأخرى.
في حين استنكر البعض تصرّف المواطنين اللبنانيين؛ حتى قبل وضوح الموقف ومعرفة هل القتيل هو القاتل الحقيقي في الجريمة الأولى حقاً.
وأنهت منى الشاذلي الفقرة بأن تأثير الحادث لن يزول سريعاً، وأن البعض سيربط الأمر بكرامة المواطن وآخرين بكرامة الدولة، وكذلك بهمجية بعض الشعوب واستكانة غيرها.. ولكن يجب الدعوة بوضع الحادث في إطاره الطبيعي كحادث فردي.