السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
جاءت تمشي في خفة و احتشام لا تكاد تسمع لها صوتا من وقار وهيبة مشيتها ، تثير في نفسك حالة من الإعجاب مشوبة بالاحترام ، إنها الفتاة التي زانت نفسها بحجابها الشرعي مما أضاف على المشهد بريق و نور لا تخطئه عين المؤمن .
إنها على الدرب تلتمس طريق العفيفات الذي تنكبته للآسف كثير من بنات الإسلام في زمننا هذا بدعوى التقدم و المدنية ... بزعم مواكبة روح العصر و ركوب الموجة الغربية لكنها فضلت أن تقبض على الجمر و أن تسير على الأشواك و أن تبلغ قمة المجد و الشرف فتتربع على عرش العفاف .
في معركة أدارها اللئام و تولى كبرها الذئاب هاج القوم و ماجوا و قالوا هذا ثوب الغباء هذا يخدش الحياء اخلعي عنك النقاب إنه حجب الذكاء ، حركوا أقلامهم هيجوا سفهائهم اقاموا الدنيا و اقعدوها و جعلوا الأمر معركة لابد .. لابد أن نزيل هذا الغطاء هكذا قالوا هكذا زعموا و لو كانوا منصفين لحاربوا السافرات لقاتلوا الملعونات فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المتبرجات ( العنوهن إنهن ملعونات) و قال عنهن ( لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ) . يحاربون ربات العفاف ذوات الخدور لأنهن تمسكن بالستر الجميل بينما ترتع المتبرجات في كل مكان ينشرن ثقافة العهر و الفجور دون رادع ...
جاءت تمشي واثقة صابرة لا تلتفت لا تخاف و لما تخاف ؟! و قد ملك كيانها الشعور بمعية الله لعباده الصالحين تأيدا و نصرة و علما و إحاطة ... تربت على مائدة القرآن و تتلمذت في مدرسة القيام و نهلت من معين العلماء فزال عنها الروع و أقبلت و لم تدبر و أقدمت فلم تحجم ... و قد جاء موعد المواجهة دخلت لجنة الامتحان ( و الدنيا كلها اختبار و إبتلاء ، سجن المؤمن و جنة الكافر ) ترقبها عيون ما بين معجب و مشفق و مجرم لا يرقب في بنات الإسلام إلا ولا ذمة .. اقترب مشرف اللجان و قد علا وجهه غبرة و كست ملامحه نعرة جاهلية " اخلعي هذا النقاب ... لا مكان له هنا أو غادري القاعة لا نريد رجعية "
من خلف نقابها ابتسمت و بصوت هادىء رخيم قالت " لن اخلعه ما حييت لن اتراجع مهما حدث سوف أمضي واثقة لن تخور عزيمتي لن أبيع كرامتي "
قال لها " لا تضيعي الوقت .. سوف تبوئي بالخسران "
قاطعته في قوة " الخسران في اتباع خطوات الشيطان و الخيبة على دعاة الحقوق سمحوا للسافرات المتبرجات المائلات المميلات الذي اجمع أهل العلم على حرمة فعلهن و منعوا الفيفات الكريمات قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )) "
قال في تهكم " إذا كان لا يعجبك الوضع فابحثي عن مكان أخر عن مدينة فاضلة ثم إن هذا أمر بين العبد و ربه ... " كلمة حق يراد بها باطل و كم من كلمة خبيثة لاكتها ألسنة الطغاة ليسفكوا دم الأباة ...
قررت أن تغادر و حانت منها التفاتة نحو قاعة الامتحان فوجدت للآسف أن الكثيرات قد رسبن و اخترن تجرع كأس الهزيمة فقد رفعن النقاب بسهولة و يسر من أجل امتحان دنيوي و لو ثبتن لجمعن بين خيري الدنيا و الأخرة ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) فهذا وعد الله للقابضين على الجمر في زمن الغربة .
لكنها لم تستسلم فعاودت الكرة في الامتحان التالي فطردت من على أبواب اللجان فابتسمت و هي تغادر إنني على درب الصالحين إنني على درب الأبرار المبتلين و هذا وعد الصادق الآمين صلوات ربي عليه و أتم التسليم فإنه كان فيمن كان قبلكم يؤتى بالرجل فتحفر له الحفرة ويوضع فيها، ويؤتى بالمنشار على مفرق رأسه فينشر فلقتين فلا يرده ذلك عن دينه، لكنكم قوم تستعجلون، لكنكم قوم تستعجلون ....
أنت ... أنت يا أميرة العفاف لا تتراجعي اذهبي لا تدبري اثبتي ... احفري على جدران التاريخ ملحمة إسلامية جذروها ربانية حروفها نورانية ... اقبلت تارة أخرى متوضئة عفيفة كريمة ، اذهلت كل من في القاعة مازلت مصممة على الحضور بالنقاب لا تقبل أدنى تنازل حاولوا معها بشتى الطرق ارفعيه بدليه بالكمامة أي شيء ... أي شيء ...
لكنها أبت التخلي عن حجاب أمهات المؤمين فلم يجد القوم أمام هذا الثبات و الصبر إلا أن يسمحوا لها بالحضور مرتدية للنقاب مما شجع باقي العفيفات في اللجنة على التمسك بالحجاب ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
................................