عاشق حبيب عمرى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عاشق حبيب عمرى

عاشق حبيب عمرى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
عاشق حبيب عمرى

ملتقى الصفوه


    ملف كامل لنساء مسلمات

    اجمل ذكرى
    اجمل ذكرى
    مدير اداره المنتدى
    مدير اداره المنتدى


    نقاط : 1329
    عدد المساهمات : 310
    تاريخ التسجيل : 07/03/2010
    العمر : 41
    الموقع : الاداره

    ملف كامل لنساء مسلمات  Empty ملف كامل لنساء مسلمات

    مُساهمة  اجمل ذكرى الأحد 19 سبتمبر 2010 - 8:19

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    أقدم لكم ملف كامل ومتجدد لنساء مسلمات

    المهاجرة
    (سارة)

    خرجتْ مهاجرة فى سبيل الله مع زوجها وابن أخيه لوط -عليهما السلام- إلى فلسطين.


    ولما اشتد الجفاف فى فلسطين هاجرت مع زوجها مرة أخرى إلى مصر.


    وسرعان ما انتشر خبرهما عند فرعون مصر الذى كان يأمر حراسه

    بأن يخبروه بأى امرأة جميلة تدخل مصر.

    وذات يوم، أخبره الجنود أن امرأة جميلة حضرتْ إلى مصر، فلما علم إبراهيم بالأمر

    قال لها: "إنه لو علم أنك زوجتى يغلبنى عليكِ، فإن سألك فأخبريه بأنك أختي،

    وأنت أختى فى الإسلام، فإنى لا أعلم فى هذه الأرض مسلمًا غيرك وغيري".

    وطلب فرعون من جنوده أن يحضروا هذه المرأة، ولما وصلت إلى قصر فرعون

    دعت اللَّه ألا يخذلها، وأن يحيطها بعنايته، وأن يحفظها من شره،

    وأقبلت تتوضأ وتصلى وتقول:

    "اللهم إن كنتَ تعلم أنى آمنتُ بك وبرسولك، وأحصنتُ فرجى إلا على زوجي،

    فلا تسلط على هذا الكافر".فاستجاب اللَّه دعاء عابدته المؤمنة فشَلّ يده عنها

    -حين أراد أن يمدها إليها بسوء-

    فقال لها : ادعى ربك أن يطلق يدى ولا أضرك. فدعت سارة ربها؛

    فاستجاب الله دعاءها، فعادت يده كما كانت، ولكنه بعد أن أطلق اللَّه يده

    أراد أن يمدها إليها مرة ثانية؛ فَشُلّت، فطلب منها أن تدعو له حتى تُطْلق يده

    ولا يمسها بسوء، ففعلت، فاستجاب الله دعاءها، لكنه نكث بالعهد فشُلّت مرة ثالثة.


    فقال لها : ادعى ربك أن يطلق يدي، وعهدٌ لا نكث فيه ألا أمسّك بسوء،

    فدعت اللَّه فعادت سليمة، فقال لمن أتى بها: اذهب بها فإنك لم تأتِ بإنسان،

    وأمر لها بجارية، وهى "هاجر" -رضى الله عنها- وتركها تهاجر من أرضه بسلام.

    ورجع إبراهيم وزوجه إلى فلسطين مرة أخري، ومضى "لوط" -عليه السلام-

    فى طريقه إلى قوم سدوم وعمورة (الأردن الحالية) يدعوهم إلى عبادة اللَّه،

    ويحذرهم من الفسوق والعصيان. ومرت الأيام والسنون ولم تنجب سارة بعد

    ابنًا لإبراهيم، يكون لهما فرحة وسندًا، فكان يؤرقها أنها عاقر لا تلد، فجاءتها

    جاريتها هاجر ذات مرة؛ لتقدم الماء لها، فأدامت النظر إليها، فوجدتها صالحة

    لأن تهبها إبراهيم، لكن التردد كان ينازعها؛ خوفًا من أن يبتعد عنها ويقبل

    على زوجته الجديدة، لكن بمرور الأيام تراجعت عنها تلك الوساوس، وخفَّت؛

    لأنها تدرك أنّ إبراهيم - عليه السلام - رجل مؤمن، طيب الصحبة والعشرة،

    ولن يغير ذلك من أمره شيئًا.

    وتزوَّج إبراهيم -عليه السلام- "هاجر"، وبدأ شيء من الغيرة يتحرك فى نفس سارة،

    بعد أن ظهرت علامات الحمل على هاجر، فلمّا وضعت هاجر طفلها إسماعيل -

    عليه السلام - طلبت سارة من إبراهيم أن يبعدها وابنها، ولأمر أراده اللَّه أخذ

    إبراهيم هاجر وابنها الرضيع إلى وادٍ غير ذى زرع من أرض مكة عند بيت الله الحرام،

    فوضعهما هناك مستودعًا إياهما اللَّه، وداعيا لهما بأن يحفظهما الله ويبارك فيهما،

    فدعا إبراهيم -عليه السلام- ربه بهذا الدعاء:

    (رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ

    فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاس تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم :37] .


    لكن آيات الله لا تنفد، فأراد أن يظهر آية أخرى معها. وذات يوم، جاء نفرٌ لزيارة


    إبراهيم عليه السلام؛ فأمر بذبح عجل سمين، وقدمه إليهم، لكنه دهش لما وجدهم

    لا يأكلون، وكان هؤلاء النفر ملائكة جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام-

    فى هيئة تجار، ألقوا عليه السلام فرده عليهم . قال تعالى:

    (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ

    . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ

    لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوط) [هود: 69-70] .

    قال تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ

    لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) [هود : 47-48]

    وأخبرت الملائكة إبراهيم - عليه السلام- أنهم ذاهبون إلى قوم لوط؛ لأنهم عصوا

    نبى الله لوطًا، ولم يتبعوه.

    وقبل أن تترك الملائكة إبراهيم -عليه السلام- بشروه بأن زوجته سارة سوف تلد ولدًا

    اسمه إسحاق، وأن هذا الولد سيكبر ويتزوج، ويولد له ولد يسميه يعقوب.

    ولما سمعت سارة كلامهم، لم تستطع أن تصبر على هول المفاجأة، فعبَّرت عن فرحتها،

    ودهشتها كما تعبر النساء؛ فصرخت تعجبًا مما سمعت، وقالت:

    (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.

    قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)

    [هود: 72-73] .

    وحملت سارة بإسحاق - عليه السلام - ووضعته، فبارك اللَّه لها ولزوجها فيه ؛

    ومن إسحاق انحدر نسل بنى إسرائيل .

    هذه هى سارة زوجة نبى اللَّه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- التى كانت أول

    من آمن بأبى الأنبياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حين بعثه اللَّه لقومه يهديهم

    إلى الرشد، ثم آمن به لوط ابن أخيه - عليه السلام -، فكان هؤلاء الثلاثة

    هم الذين آمنوا على الأرض فى ذلك الوقت. وماتت سارة ولها من العمر 127 عامًا
    المتوكلة

    (أم موسى)

    تحت صرخات امرأة ذُبح ابنها، فتحت أيارخا زوجة عمران الباب، بعد أن ابتعدت

    أقدام جنود فرعون، واختفت ضحكاتهم الوحشية، ومضت إلى جارتها،

    التى كانت أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، تخفف عنها آلامها، وتواسيها فى أحزانها.


    كان بنو إسرائيل فى مصر يمرون بأهوال كثيرة، فقد ضاق بهم "فرعون"،

    وراح يستعبدهم ويسومهم سوء العذاب؛ نتيجة ما رأى فى منامه من رؤيا أفزعته،

    فدعا المنجِّمين لتأويل رؤياه، فقالوا: سوف يولد فى بنى إسرائيل غلام يسلبك المُلك،

    ويغلبك على سلطانك، ويبدل دينك. ولقد أطل زمانه الذى يولد فيه حينئذٍ.

    ولم يبالِ فرعون بأى شيء سوى ما يتعلق بملكه والحفاظ عليه، فقتل الأطفال

    دون رحمة أو شفقة، وأرسل جنوده فى كل مكان لقتل كل غلام يولد لبنى إسرائيل .

    وتحت غيوم البطش السوداء، ورياح الفزع العاتية، وصرخات الأمهات وهن يندبن

    أطفالهن الذين قُتِلوا ظلمًا، كان الرعب يسيطر على كيان زوجة عمران، ويستولى

    الخوف على قلبها، فقد آن وضع جنينها وحان وقته، وسيكون مولده فى العام الذى

    يقتل فرعون فيه الأطفال.

    واستغرقت فى تفكير عميق، يتنازع أطرافه يقين الإيمان ولهفة الأم على وليدها،

    ووسوسة الشيطان الذى يريد أن يزلزل فيها ثبات الإيمان، لذلك كانت تستعين دائمًا باللَّه،

    وتستعيذ به من تلك الوساوس الشريرة .

    ولما أكثر جنود فرعون من قتل ذكور بنى إسرائيل قيل لفرعون:

    إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم، ولا يمكن لنسائهم

    أن يقمن بمايقوم به الرجال من الأعمال الشاقة فتنتهى إلينا، حيث كان بنو

    إسرائيل يعملون فى خدمة المصريين فأمر فرعون بترك الولدان عامًا وقتلهم عامًا،

    وكان رجال فرعون يدورون على النساء فمن رأوها قد حملت، كتبوا اسمها،

    فإذا كان وقت ولادتها لا يولِّدها إلا نساء تابعات لفرعون . فإن ولدت جارية تركنها،

    وإن ولدت غلامًا؛ دخل أولئك الذباحون فقتلوه ومضوا. ولحكمة اللَّه -تعالى وعظمته-

    لم تظهر على زوجة عمران علامات الحمل كغيرها ولم تفطن لها القابلات ،

    وما إن وضعت موسى - عليه السلام-

    حتى تملكها الخوف الشديد من بطش فرعون وجنوده، واستبد بها القلق

    على ابنها موسى، وراحت تبكى حتى جاءها وحى اللَّه عز وجل آمرًا

    أن تضعه داخل صندوق وتلقيه فى النيل. قال تعالي:

    (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى

    وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص :7].


    وكانت دار أم موسى على شاطئ النيل، فصنعت لوليدها تابوتًا وأخذت ترضعه،

    فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه، ذهبت فوضعته فى التابوت، وسَـيرَتْـهُ فى البحر،

    وربطته بحبل عندها.

    وذات يوم، اقترب جنود فرعون، وخافت أم موسى عليه، فأسرعت ووضعته

    فى التابوت، وأرسلته فى البحر، لكنها نسيت فى هذه المرة أن تربط التابوت،

    فذهب مع الماء الذى احتمله حتى مرَّ به على قصر فرعون. وأمام القصر توقف

    التابوت، فأسرعت الجوارى وأحضرنه، وذهبن به إلى امرأة فرعون،

    فلما كشفت عن وجهه أوقع اللَّه محبته فى قلبها، فقد كانت عاقرًا لا تلد.

    وذاع الخبر فى القصر، وانتشر نبأ الرضيع حتى وصل إلى فرعون،

    فأسرع فرعون نحوه هو وجنوده وهمّ أن يقتله، فناشدته امرأته أن يتركه،

    وقالت له: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ

    وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص: 9].

    كاد قلب أم موسى أن يتوقف، فهى ترى ابنها عائمًا فى صندوق وسط النهر،

    ولكنَّ الله صبرها، وثبتها، وقالت لابنتها:

    اتبعيه، وانظرى أمره، ولا تجعلى أحدًا يشعر بك. وكان قلبها ينفطر حزنًا

    على مصير وليدها الرضيع الذى جرفه النهر بعيدًا عنها

    (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ

    مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون)

    [القصص: 10-11].

    فرحت امرأة فرعون بموسى فرحًا شديدًا، ولكنه كان دائم البكاء، فهو جائع،

    ولكنه لا يريد أن يرضع من أية مرضعة، فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون

    امرأة تصلح لرضاعته، فلما رأته أخته بأيديهم عرفته، ولم تُُظِْْهِْر ذلك،

    ولم يشعروا بها، فقالت لهم: أعرف من يرضعه. وأخذته إلى أمه.

    ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ

    وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَى تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ

    حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 12-13].

    هذا هو القدر الإلهى يظهر منه ومضات ليتيقن الناس أن خالق السَّماوات والأرض

    قادر على كل شيء: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

    وما إن وصل موسى -عليه السلام- إلى أمه حتى أقبل على ثديها، ففرحت الجوارى

    بذلك فرحًا شديدًا، وذهب البشير إلى امرأة فرعون، فاستدعت أم موسى،

    وأحسنت إليها، وأعطتها مالا كثيرًا - وهى لا تعرف أنها أمه-، ثم طلبتْ منها

    أن تُقيم عندها لترضعه فرفضتْ، وقالت :

    إن لى بعلا وأولادًا، ولاأقدر على المقام عندك، فأخذته أم موسى إلى بيتها،

    وتكفلت امرأة فرعون بنفقات موسى. وبذلك رجعت أم موسى بابنها راضية مطمئنة،

    وعاش موسى وأمه فى حماية فرعون وجنوده، وتبدل حالهما بفضل صبر أم موسى وإيمانها.

    ولم يكن بين الشدة والفرج إلا يوم وليلة، فسبحان من بيده الأمر، يجعل لمن اتقاه

    من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.

    اللهم فرج همومنا وهموم كل مكروب
    زوجة الفراسة والحياء

    ( زوجة موسى )

    يقول ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة ؛ صاحب يوسف حين قال لامرأته:

    (أَكْرِمِى مَثْوَاهُ) [يوسف:21]، وصاحبة موسى حين قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ)

    [القصص: 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.

    ولكن ما الذى أخرج موسى من مصر إلى أرض مدين فى جنوب فلسطين؛

    ليتزوج من ابنة الرجل الصالح، ويرعى له الغنم عشر سنين ؟!

    كان موسى يعيش فى مصر، وبينما هو يسير فى طريقه رأى رجلين يقتتلان؛

    أحدهما من قومه "بنى إسرائيل"، والآخر من آل فرعون. وكان المصرى يريد

    أن يسخِّر الإسرائيلى فى أداء بعض الأعمال، واستغاث الإسرائيلى بموسى،

    فما كان منه إلا أن دفع المصرى بيده فمات على الفور، قال تعالي:

    (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا

    مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ

    فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين)[القصص: 15].

    وفى اليوم التالى تشاجر اليهودى مع رجل آخر فاستغاث بموسى -عليه السلام-

    مرة ثانية فقال له موسى: إنك لَغَوِى مُبين؛ فخاف الرجل وباح بالسِّرِّ عندما قال:

    أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسًا بالأمس، فعلم فرعون وجنوده بخبر قتل موسى

    للرجل، فجاء رجل من أقصى المدينة يحذر موسى، فأسرع بالخروج من مصر،

    وهو يستغفر ربه قائلاً: (رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

    [القصص :16].

    وخرج موسى من مصر، وظل ينتقل حتى وصل إلى أرض مَدْين فى جنوب فلسطين،

    وجلس موسى -عليه السلام- بالقرب من بئر، ولكنه رأى منظرًا لم يعجبه؛

    حيث وجد الرعاة يسقون ماشيتهم من تلك البئر، وعلى مقربة منهم تقف

    امرأتان تمنعان غنمهما عن ورود الماء؛ استحياءً من مزاحمة الرجال،

    فأثر هذا المنظر فى نفس موسى؛ إذ كان الأولى أن تسقى المرأتان أغنامهما

    أولاً، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما، فذهب موسى إليهما وسألهما عن

    أمرهما، فأخبرتاه بأنهما لا تستطيعان السقى إلا بعد أن ينتهى الرجال من سقى

    ماشيتهم، وأبوهما شيخ كبير لا يستطيع القيام بهذا الأمر، فتقدم ليسقى لهما

    كما ينبغى أن يفعل الرجال ذوو الشهامة، فزاحم الرجال وسقى لهما،

    ثم اتجه نحو شجرة فاستظل بظلها، وأخذ يناجى ربه:

    (رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير) [القصص: 24].

    وعادت الفتاتان إلى أبيهما، فتعجب من عودتهما سريعًا. وكان من عادتهما

    أن تمكثا وقتًا طويلا حتى تسقيا الأغنام، فسألهما عن السبب فى ذلك، فأخبرتاه

    بقصة الرجل القوى الذى سقى لهما، وأدى لهما معروفًا دون أن يعرفهما،

    أو يطلب أجرًا مقابل خدمته، وإنما فعل ذلك مروءة منه وفضلا.


    وهنا يطلب الأب من إحدى ابنتيه أن تذهب لتدعوه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين

    تمشى على استحياء، لتبلغه دعوة أبيها: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)

    [القصص: 25]. واستجاب موسى للدعوة، فلما وصل إلى الشيخ وقصّ عليه قصته،

    طمأنه الشيخ بقوله: (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[القصص: 25].

    وعندئذ سارعت إحدى الفتاتين -بما لها من فراسة وفطرة سليمة، فأشارت

    على أبيها بما تراه صالحًا لهم ولموسى -عليه السلام-:

    (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الأَمِين)[القصص: 26].

    فهى وأختها تعانيان من رعى الغنم، وتريد أن تكون امرأة مستورة،

    لا تحتكّ بالرجال الغرباء فى المرعى والمسقي، فالمرأة العفيفة الروح

    لا تستريح لمزاحمة الرجال. وموسى فتى لديه من القوة والأمانة ما يؤهله

    للقيام بهذه المهمة، والفتاة تعرض رأيها بكل وضوح، ولا تخشى شيئًا، فهى

    بريئة النفس، لطيفة الحسّ.

    ويقتنع الشيخ الكبير لما ساقته ابنته من مبررات بأن موسى جدير بالعمل

    عنده ومصاهرته، فقال له: (إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَى هَاتَيْنِ عَلَى

    أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِى حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ

    عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا

    الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَى وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[القصص :27-28].

    ولـمَّا وَفَّى موسى الأجل وعمل فى خدمة صِهْرِه عشر سنين، أراد أن يرحل

    إلى مصر، فوافق الشيخ ودعا له بالخير، فخرج ومعه امرأته وما أعطاه

    الشيخ من الأغنام، فسار موسى من مدين إلى مصر.

    وهكذا كانت زوجة موسى - رضى اللَّه عنها - نموذجًا للمؤمنة، ذات الفراسة

    والحياء، وكانت قدوة فى الاهتمام باختيار الزوج الأمين العفيف.

    الملكة المؤمنة

    ( آسيا بنت مزاحم )

    نشأتْ ملكة فى القصور، واعتادتْ حياة الملوك، ورأَتْ بطش القوة،

    وجبروت السلطان، وطاعة الأتباع والرعية، غير أن الإيمان أضاء فؤادها،

    ونوَّر بصيرتها، فسئمتْ حياة الضلال، واستظلتْ بظلال الإيمان، ودعتْ ربها

    أن ينقذها من هذه الحياة، فاستجاب ربها دعاءها، وجعلها مثلا للذين آمنوا،

    فقال : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ

    بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[التحريم: 11].


    وقال رسول اللَّه (: "أفضل نساء أهل الجنة :خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد،

    ومريم، وآسية" [أحمد].

    إنها آسية بنت مزاحم -امرأة فرعون- التى كانت نموذجًا خلّده القرآن للمؤمنة

    الصادقة مع ربها، فهى عندما عرفت طريق الحق اتبعتْه دون خوف من الباطل،

    وظلم أهله، فلقد آمنت باللَّه إيمانًا لا يتزعزع ولايلين، ولم تفلح تهديدات

    فرعون ولا وعيده فى ثنيها عن إيمانها، أو إبعادها عن طريق الحق والهدي.

    لقد تاجرتْ مع اللَّه، فربحَتْ تجارتها، باعتْ الجاه والقصور والخدم، بثمن غال،

    ببيتٍ فى الجنة، وزواج الرسول ( فى الآخرة ونعم أجر المؤمنين.


    وقد جاء ذكر السيدة آسية - رضى اللَّه عنها - فى قصة موسى - عليه السلام -

    حينما أوحى اللَّه إلى أُمِّه أن تُلْقيه فى صندوق، ثم تلقى بهذا الصندوق فى البحر،

    وفيه موسى، ويلْقِى به الموج نحو الشاطئ الذى يطلّ عليه قصر فرعون ؛

    فأخذته الجواري، ودخلن به القصر، فلما رأت امرأة فرعون ذلك الطفل فى الصندوق؛

    ألقى الله فى قلبها حبه، فأحبته حبَّا شديدًا.

    وجاء فرعون ليقتله - كما كان يفعل مع سائر الأطفال الذين كانوا يولدون من

    بنى إسرائيل - فإذا بها تطلب منها أن يبقيه حيا؛ ليكون فيه العوض عن حرمانها

    من الولد. وهكذا مكن اللَّه لموسى أن يعيش فى بيت فرعون، قال تعالي:

    (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِ

    ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ

    لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ. وَقَالَتِ امْرَأَتُ

    فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون)

    [القصص 7-9] .
    وكانت السيدة آسية ذات فطرة سليمة، وعقل واعٍ، وقلب رحيم، فاستنكرت

    الجنون الذى يسيطر على عقل زوجها، ولم تصدق ما يدعيه من أنه إله وابن آلهة.

    وحينما شَبَّ موسى وكبر، ورحل إلى "مدين"، فرارًا من بطش فرعون وجنوده ثم

    عاد إلى مصر مرة أخرى - بعد أن أرسله اللَّه - كانت امرأة فرعون من أول

    المؤمنين بدعوته . ولم يخْفَ على فرعون إيمان زوجته باللَّه، فجن جنونه،

    فكيف تؤمن زوجته التى تشاركه حياته، وتكفر به، فقام بتعذيبها حيث عَزَّ عليه

    أن تخرج زوجته على عقيدته، وتتبع عدوه، فأمر بإنزال أشد أنواع العذاب عليها؛

    حتى تعود إلى ما كانت عليه، لكنها بقيت مؤمنة بالله، واستعذبت الآلام فى سبيل اللَّه .

    وقد أمر فرعون جنوده أن يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد،

    وأخذت السياط تنهال على جسدها، وهى صابرة محتسبة على ما تجد من أليم

    العذاب، ثم أمر بوضع رحًى على صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة،

    لكنها دعتْ ربها أن ينجيها من فرعون وعمله .

    فاستجاب اللَّه دعاءها، وارتفعت روحها إلى بارئها، تظلِّلُها الملائكة بأجنحتها؛

    لتسكن فى الجنة، فقد آمنت بربها، وتحملت من أجل إيمانها كل أنواع العذاب،

    فاستحقت أن تكون من نساء الجنة الخالدات.

    وصدق رسول اللَّه ( حين قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء

    إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء

    كفضل الثريد على سائر الطعام" [البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجة

    الماشطة

    لما أُسرى بالنبى ( شمَّ ريحًا طيبة، فقال: "يا جبريل ما هذه الريح الطيبة؟" قال:

    "هذه ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها"[ابن ماجة].

    انتشر أمر موسى- عليه السلام - وكثر أتباعه، وأصبح المؤمنون برسالته خطرًا

    مستمرّا، يهدد فرعون ومُلكه، وظل فرعون فى قصره فى حالة غليان مستمر

    يمشى ذهابًا وإيابًا، يفكر فى أمر موسى، وماذا يفعل بشأنه وشأن أتباعه،

    فأرسل فى طلب رئيس وزرائه هامان ؛ ليبحثا معًا ذلك الأمر، وقررا أن يقبض

    على كل من يؤمن بدعوة موسى، وأن يعذب حتى يرجع عن دينه، فسخَّر فرعون

    جنوده فى البحث عن المؤمنين بدعوة موسى، وأصبح قصر فرعون مقبرة للأحياء

    من المؤمنين باللَّه الموحدين له، وكانت صيحات المؤمنين وصرخاتهم ترتفع

    من شدة الألم، ووطأة التعذيب تلعن الظالمين وتشكو إلى ربها صنيعهم.

    وشمل التعذيب جميع المؤمنين، حتى الطفل الرضيع لم ترحمه يد التعذيب،

    فزاد البلاء، واشتد الكرب على المؤمنين، فاضطر كثير منهم إلى كتمان إيمانه؛

    خوفًا من فرعون وجبروته واستعلائه فى الأرض، ولجأ الآخرون إلى الفرار

    بدينهم بعيدًا عن أعين فرعون .

    وكان فى قصر فرعون امرأة تقوم بتمشيط شعر ابنته وتجميلها، وكانت من الذين آمنوا،

    وكتموا الإيمان فى قلوبهم، وذات مرة كانت المرأة تمشط ابنة فرعون كعادتها كل يوم

    ، فسقط المشط من يدها على الأرض، ولما همَّت بأخذه من الأرض، قالت:

    بسم اللَّه. فقالت لها ابنة فرعون: أتقصدين أبي؟ قالت:لا. ولكن ربى ورب أبيك اللَّه،

    فغضبَتْ ابنة فرعون من الماشطة وهددتها بإخبار أبيها بذلك، ولكن الماشطة لم تخف،

    فأسرعت البنت لتخبر أباها بأن هناك فى القصر من يكْفُر به، فلما سمع فرعون ذلك؛

    اشتعل غضبه، وأعلن أنه سينتقم منها ومن أولادها، فدعاها، وقال لها :

    أَوَ لكِ ربٌّ غيري؟! قالت: نعم، ربى وربك اللَّه . وهنا جُنَّ جنونه، فأمر بإحضار وعاء

    ضخم من نحاس وإيقاد النار فيه، وإلقائها هى وأولادها فيه،

    فما كان من المرأة إلاَّ أن قالت لفرعون : إن لى إليك حاجة، فقال لها:

    وماحاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامى وعظام ولدى فى ثوب واحد وتدفننا،

    فقال: ذلك علينا. ثم أمر بإلقاء أولادها واحدًا تِلْوَ الآخر، والأم ترى ما يحدث لفلذات

    كبدها، وهى صابرة محتسبة، فالأولاد يصرخون أمامها، ثم يموتون حرقًا،

    وهى لا تستطيع أن تفعل لهم شيئًا، وأوشك الوهن أن يدب فى قلبها لما تراه

    وتسمعه، حتى أنطق اللَّه -عز وجل- آخر أولادها -وهو طفل رضيع- حيث

    قال لها: يا أماه، اصبري، إنك على الحق.

    فاقتحمتْ المرأة مع أولادها النار، وهى تدعو اللَّه أن يتقبل منها إسلامها،

    فضَربتْ بذلك مثالاً طيبًا للمرأة المسلمة التى تعرف اللَّه حق معرفته، وتتمسك بدينها،

    وتصبر فى سبيله، وتمُتَحن بالإرهاب، فلاتخاف، وتبتلى بالعذاب فلا تهن أو تلين،

    وماتت ماشطة ابنة فرعون وأبناؤها شهداء فى سبيل الله،

    بعدما ضربوا أروع مثال فى التضحية والصبر والفداء
    الزوجة الوفية

    ( زوجة أيوب )

    زوجة صابرة أخلصت لزوجها، ووقفت إلى جواره فى محنته حين نزل به البلاء،

    واشتد به المرض الذى طال سنين عديدة، ولم تُظْهِر تأفُّفًا أو ضجرًا، بل كانت متماسكة طائعة.

    إنها زوجة نبى اللَّه أيوب - عليه السلام - الذى ضُرب به المثل فى الصبر الجميل،

    وقُوَّة الإرادة، واللجوء إلى اللَّه، والارتكان إلى جنابه.


    وكان أيوب - عليه السلام - مؤمنًا قانتًا ساجدًا عابدًا لله، بسط اللَّه له فى رزقه،

    ومدّ له فى ماله، فكانت له ألوف من الغنم والإبل، ومئات من البقر والحمير،

    وعدد كبير من الثيران، وأرض عريضة، وحقول خصيبة ،وكان له عدد كبير

    من العبيد يقومون على خدمته، ورعاية أملاكه، ولم يبخل أيوب -عليه السلام-

    بماله، بل كان ينفقه، ويجود به على الفقراء والمساكين .


    وأراد اللَّه أن يختبر أيوب فى إيمانه، فأنزل به البلاء، فكان أول مانزل عليه ضياع

    ماله وجفاف أرضه ؛ حيث احترق الزرع وماتت الأنعام، ولم يبق لأيوب شيء

    يلوذ به ويحتمى فيه غير إعانة الله له، فصبر واحتسب، ولسان حاله يقول فى

    إيمان ويقين : عارية اللَّه قد استردها، ووديعة كانت عندنا فأخذها، نَعِمْنَا بها دهرًا،

    فالحمد لله على ما أنعم، وَسَلَبنا إياها اليوم، فله الحمد معطيا وسالبًا، راضيا وساخطًا،

    نافعًا وضارا، هو مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز

    من يشاء ويذل من يشاء . ثم يخرُّ أيوب ساجدًا لله رب العالمين .

    ونزل الابتلاء الثاني، فمات أولاده، فحمد اللَّه -أيضًا- وخَرّ ساجدًا لله، ثم نزل الابتلاء

    الثالث بأيوب -فاعتلت صحته، وذهبت عافيته، وأنهكه المرض، لكنه على الرغم من

    ذلك ما ازداد إلا إيمانًا، وكلما ازداد عليه المرض؛ ازداد شكره لله.

    وتمر الأعوام على أيوب - عليه السلام - وهو لا يزال مريضًا، فقد هزل جسمه،

    ووهن عظمه، وأصبح ضامر الجسم، شاحب اللون، لا يقِرُّ على فراشه من الألم.

    وازداد ألمه حينما بَعُدَ عنه الصديق، وفَرَّ منه الحبيب، ولم يقف بجواره إلا زوجته

    العطوف تلك المرأة الرحيمة الصالحة التى لم تفارق زوجها، أو تطلب طلاقها،

    بل كانت نعم الزوجة الصابرة المعينة لزوجها، فأظهرت له من الحنان ما وسع قلبها،

    واعتنت به ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. لم تشتكِ من هموم آلامه، ولا من مخاوف

    فراقه وموته. وظلت راضية حامدة صابرةً مؤمنة،ً تعمل بعزم وقوة؛ لتطعمه وتقوم

    على أمره، وقاست من إيذاء الناس ما قاست .

    ومع أن الشيطان كان يوسوس لها دائمًا بقوله :

    لماذا يفعل اللَّه هذا بأيوب، ولم يرتكب ذنبًا أو خطيئة؟

    فكانت تدفع عنها وساوس الشيطان وتطلب من الله أن يعينها، وظلت فى خدمة زوجها


    أيام المرض سبع سنين، حتى طلبت منه أن يدعو اللَّه بالشفاء،

    فقال لها: كم مكثت فى الرخاء؟ فقالت: ثمانين . فسألها: كم لبثتُ فى البلاء؟

    فأجابت: سبع سنين .

    قال: أستحى أن أطلب من اللَّه رفع بلائي، وما قضيتُ منِه مدة رخائي. ثم أقسم أيوب

    - حينما شعر بوسوسة الشيطان لها - أن يضربها مائة سوط، إذا شفاه اللَّه،

    ثم دعا أيوب ربه أن يكفيه بأس الشيطان، ويرفع ما فيه من نصب وعذاب، قال تعالي:

    (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص : 41].


    فلما رأى اللَّه صبره البالغ، رد عليه عافيته ؛حيث أمره أن يضرب برجله،

    فتفجر له نبع ماء، فشرب منه واغتسل، فصح جسمه وصلح بدنه، وذهب عنه المرض،

    قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ

    ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً

    مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِى الأَلْبَاب)[ص:41-43] .

    ومن رحمة اللَّه بهذه الزوجة الصابرة الرحيمة أَن أَمَرَ اللَّهُ أيوبَ أن يأخذ

    حزمة بها مائة عود من القش، ويضربها بها ضربةً خفيفةً رقيقةً مرة واحدة ؛

    ليبرّ قسمه، جزاء له ولزوجه على صبرهما على ابتلاء اللَّه

    (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص: 44]
    .
    اجمل ذكرى
    اجمل ذكرى
    مدير اداره المنتدى
    مدير اداره المنتدى


    نقاط : 1329
    عدد المساهمات : 310
    تاريخ التسجيل : 07/03/2010
    العمر : 41
    الموقع : الاداره

    ملف كامل لنساء مسلمات  Empty رد: ملف كامل لنساء مسلمات

    مُساهمة  اجمل ذكرى الأحد 19 سبتمبر 2010 - 8:31

    الملكة

    ( بلقيس )

    استيقظتْ من نومها والظلام يحيط بكل شيء؛ لتستعدَّ للذهاب مع حاشيتها إلى

    معبد الشمس الكبير بأرض مأرب على بُعْدِ ثلاثة أميال من صنعاء؛ حيث يستقبل

    شعب سبأ يومًا من الأيام المقدسة التى تشهد نشاطًا كبيرًًا فيقدمون قرابينهم للشمس

    التى يعبدونها من دون اللَّه . وما إن أشرقت الشمس حتى اخترق نداء الكاهن آذان

    أهل سبأ يأمرهم بالسجود لها 000 وفى الوقت الذى كان يسجد فيه أهل سبأ للشمس،

    كان نبى اللَّه سليمان - عليه السلام - وجنوده يسجدون للَّه رب العالمين؛

    اعترافًا بحقه -عز وجل- . وقد وهب اللَّه لسليمان ملكًا عظيمًا، وكوَّن سليمان

    جيشًا عظيمًا، من الإنس والجن والطير، وجعل لكل واحد فى الجيش مكانًا

    ومهمةً عليه أن ينفذها.

    واعتاد "سليمان" - عليه السلام - أن يتفقد جنوده حينًا بعد آخر، وذات مرة لم يجد الهدهد،

    فقال: (مَا لِى لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)[النمل:20-21].

    فجاء الهدهد بعد أن مكث فترة من الزمن، فقال لسليمان -عليه السلام- :

    (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ

    أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ

    مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن


    دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)

    [النمل: 22-24]. ثم أخذ الهدهد يصف ما رأى وما سمع وكيف يعبدون الشمس

    من دون اللَّه . ففكر نبى اللَّه ثم قال: (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) [النمل: 27].

    عرف الهدهد بفطرته السليمة أن السجود لا يكون إلا للَّه سبحانه وتعالي،

    كما عرف أهمية الدعوة إلى اللَّه تعالي، وكيف يتحرك لها حتى وإن لم يكلفه

    أحد بهذا العمل، وهكذا يكون الداعية دائمًا فى كل مكان وزمان .

    وبعد ذلك كتب نبى اللَّه عليه السلام رسالة، وأمر الهدهد بالذهاب إلى ملكة سبأ

    وأن يعطيها الرسالة، فقال له:

    (اذْهَب بِّكِتَابِى هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُون) [النمل:28]


    وبينما كانت بلقيس تستريح من عناء يوم طويل فى فراشها، دخل عليها الهدهد

    من النافذة، وألقى عليها الكتاب، فقرأته وعلمت مافيه، وأنه من نبى اللَّه سليمان

    - عليه الصلاة والسلام -، فجمعت وزراءها وأعيان قومها وقرأت عليهم خطاب سليمان،

    وقالتنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّى أُلْقِى إِلَى كِتَابٌ كَرِيمٌ.

    إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

    أَلَّا تَعْلُوا عَلَى وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ [النمل: 29- 31]، ثم طلبت منهم الرأى والمشورة

    (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) [النمل: 32].


    وهى فى ذلك تعطى صورة طيبة للشورى عند الحاكم . فأجابها القوم

    (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ)[النمل:33]

    لكن بلقيس كانت تعلم قوة سليمان، فأرادت أن تصرف قومها عن الحرب،

    وأن تردهم إلى الرشاد،

    (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل: 34].

    كان يدور فى ذهن بلقيس أمر سليمان، ولم تكن تعلم أن الله سخَّر له الريح تجرى

    بأمره، فقالت بحكمة بالغة وحسن تدبير:

    (وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ )[النمل:35]

    وأخبرتهم أنه إن كان ملكًا قبل الهدية وانصرف، وإن كان نبيا فلن يقبل الهدية،

    ولن يرضى منا إلا أن نتبعه على دينه . ووافق القوم على ذلك، وانصرفوا .

    فلما جاءت رُسل بلقيس بالهدية إلى سليمان،

    قال لهم : ( أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِى اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون)

    [النمل: 36] وكيف يقبل الهدية وقد أكرمه الله بالنبوة والحكمة، وأعطاه الله

    ما لم يعط أحدً ا من العالمين؟!

    فقال لرئيس الوفد:

    (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون) [النمل: 37]

    وأدرك سليمان بحكمته أن إنذاره هذا سينهى الأمر، وستُقبل عليه الملكة

    مستسلمة طائعة؛ لأنه ظهر من تصرفاتها أنها لا تريد الحرب، وعندما عادوا

    إليها أخبروها بماحدث، فأرسلت إلى سليمان تخبره أنها سوف تأتى إليه ومعها

    كبار قومها، وأمرت بلقيس جنودها بحراسة عرشها والحفاظ عليه وإغلاق الأبواب دونه،

    وخرجت من مُلْكها متجهة ناحية الشمال، وقبيل حضورها، أراد سليمان

    أن يبين لها قدرة اللَّه وعظمته،

    وكيف أعطاه مالم يعط أحدًا من العالمين فأقبل على جنوده قائلانقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي قَالَ


    يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ.

    قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِى أَمِينٌ )

    [النمل: 38-39] لكن سليمان استبطأه، فقام رجل مؤمن من بنى إسرائيل،

    وكان صدِّيقًا يعلم اسم الله الأعظم، فقال لسليماننقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أَنَا آتِيكَ

    بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[النمل: 40] وبالفعل كان عرش بلقيس أمام نبى اللَّه

    سليمان فخر ساجدًا لعظمة اللَّه، واعترافًا بنعمته، وقال(هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى

    أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِى كَرِيمٌ)[النمل: 40].

    ورأت بلقيس مُلكَ سليمان، وبينما قومها يتهامسون فيما بينهم على ما يروَنه،

    رأت عرشها بعد أن أمر سليمان جنوده أن يغيروا معالمه، وأن يبدلوا أوضاعه

    بحيث تختلف فيه الرؤية؛ ليعرف مدى ذكائها(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِى

    أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ. فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا

    الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ )[النمل: 41-42].

    فلما دخلت بلقيس الصرح الذى أمر نبى اللَّه سليمان جنوده ببنائه من الزجاج

    بحيث يجرى من تحته جدول صغير من الماء حسبته لجة (أى ماء) فكشفت

    عن ساقيها بحركة لاشعورية منها:

    ( قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِير)

    [النمل:44].

    فلما رأت بلقيس ما وهبه اللَّه لنبيه سليمان قالت:

    ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) [النمل: 44].

    وهكذا كانت بلقيس ملكة سبأ امرأة ذات فراسة وحكمة وذكاء ؛ فلم تستبد برأيها فى

    الأمور العظيمة والخطوب الجليلة، بل استشارت قومها، وهذا يدل على فطنتها

    فلما عرفت الحق آمنت به وأسلمت للَّه طوعًا مع سليمان عليه السلام.

    تلك هى بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان، ملكة سبأ، تمكنت من الملك

    بعد مقتل عمرو ذى الأذعار، فبايعها قومها وولوها الحكم، فأدارت شئون البلاد

    بشجاعة وحكمة، ورممت سد مأرب الشهير، وشيدت قصرها فى مدينة مأرب،

    وازدهرت على يديها التجارة والزراعة، وزادت ثروات البلاد واستقرت أحوال الناس.

    كانت تعبد الشمس هى وقومها، ثم أكرمها الله تعالى بالإيمان، فآمن قومها برسالة

    نبى الله سليمان - عليه السلام- فتزوجها سليمان - عليه السلام- وأنجبتْ له ولدًا،

    إلا أنه توفى شابَّا، وتوفيت بعده بلقيس فى أنطاكية -رضى الله عنها-.

    الأم العـــــــــــــــــذراء

    ( مـــــــــــــريم )




    أنزل الله ملائكة يقولون لها: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 42].
    ويقول عنها رسول الله (:"خير نساء العالمين: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة" [ابن حبان].



    فى جو ساد فيه الظلم والاضطراب، كانت الحياة التى يعيشها بنو إسرائيل بائسة، فقد أفسدوا دينهم وحرّفوا عقيدتهم، وأضحى الواحد منهم لا يأمن على نفسه غدر الآخر، وفى خضم هذا الفساد كان يعيش عمران بن ماتان وزوجته حَنّة بنت فاقوذ، يعبدان الله وحده ولا يشركان به شيئًا، وكان الزمان يمر بهما دون ولد يؤنسهما. وفى يوم من الأيام جلست حنة بين ظلال الأشجار، فرأت عصفورة تطعم صغيرها، فتحركت بداخلها غريزة الأمومة، فدعت اللّه أن يرزقها ولدًا حتى تنذره لخدمة بيت المقدسنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35] .





    وتقبل الله منها دعاءها، ولكن حكمته اقتضت أن يكون الجنين أنثي، فكانت السيدة مريم(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
    وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران: 36].
    يقول (فى ذلك أنه : "كل بنى آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها" [مسلم].




    لكن القدر كان يخفى لمريم اليتم، فقد توفى أبوها وهى طفلة صغيرة، وأخذتها أمها إلى الهيكل؛ استجابة لنذرها، ودعت الله أن يتقبلها(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ
    حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا) [آل عمران: 37].





    ولما رآها الأحبار قذف الله فى قلوبهم حبها، فتنازعوا على من يكفلها. قال نبى الله زكريا -عليه السلام- وكان أكبرهم سنا: أنا آخذها، وأنا أحق بها؛ لأن خالتها زوجتى - يقصد زوجة أم يحيي، لكن الأحبار أَبَوْا ذلك، فقال لهم زكريا: نقترع عليها، بأن نلقى أقلامنا التى نكتب بها التوراة فى نهر الأردن، ومن يستقر قلمه؛ يكفلها، ففعلوا، فأخذ النهر أقلامهم، وظهر قلم زكريا فكفلها. قال تعالي: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون [آل عمران: 44]. (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) [آل عمران: 37]. وكان عُمْرُ مريم حينئذ لا يتجاوز عامًا، فجعل لها زكريا خادمة فى محرابها ظلت معها حتى كبرت، وكان لا يدخل عليها حتى يستأذنها ويسلم عليها، وكان يأتى إليها بالطعام والشراب.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    غير أنه كلما دخل عليها قدمت له طبقًا ممتلئًا بالفاكهة، فيتعجب زكريا من الفاكهة التى يراها، حيث يرى فاكهة الصيف فى الشتاء، وفاكهة الشتاء فى الصيف، فيقول لها فى دهشة: يا مريم من أين يأتى لك هذا؟ فتقول: رزقنى به اللّه. قال تعالي: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)[آل عمران: 37]


    فلما رأى زكريا مارأى من قدرة ربه وعظمته، دعا اللّه أن يعطيه ولدًا يساعده ويكفيه مؤنة الحياة (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء.فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 38 -39].
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    مرت السنون وأصبح زكريا شيخًا كبيرًا، ولم يعد قادرًا على خدمة مريم كما كان يخدمها، فخرج على بنى إسرائيل، يطلب منهم كفالة مريم، فتقارعوا بينهم حتى كانت مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار، وكان رجلاً تقيا شريفًا خاشعًا للّه. وظل يوسف يخدمها حتى بلغت سن الشباب، فضربت مريم عندئذ على نفسها الحجاب، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار . وبعد ذلك ابتعدت مريم عن الناس، وأصبح لا يراها أحد ولا ترى أحدًا (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا) [مريم : 16-17].

    وبينما مريم منشغلة فى أمر صلاتها وعبادتها، جاءها جبريل بإذن ربها على

    هيئة رجل ليبشرها بالمسيح ولدًا لها (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)

    [مريم: 17]، ففزعت منه، وقالت: قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا.

    قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا. قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ

    يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا.

    قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَى هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)

    [مريم:18-21]. يقول المفسرون: إنها خرجت وعليها جلبابها، فأخذ جبريل بكمها،

    ونفخ فى جيب درعها، فحملت حتى إذا ظهر حملها، استحيت، وهربت حياءً من

    قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة. فخرج قومها وراءها يبحثون عنها،

    ولا يخبرهم عنها أحد.




    فلما أتاها المخاض تساندت إلى جذع نخلة تبكى وتقول:

    (قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) [مريم :23].

    حينئذ أراد الله أن يسكّن خوفها فبعث إليها جبريل

    (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّاوَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ

    تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا

    فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم: 24 - 26].



    فاطمأنت نفس مريم إلى كلام الله لها على لسان جبريل، وانطلقت إلى قومها.

    (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) [مريم: 27]،

    أى جئت بشيء منكرٍ وأمرٍ عظيم(يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا.

    فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا)[مريم: 28- 29]،

    لكن الله لا ينسى عباده المخلصين، فأنطق بقدرته المسيح وهو وليد لم يتعدّ عمره

    أيامًا معدودة(قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا. وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ

    وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلَامُ

    عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم:30-33].

    فَعَلَتِ الدهشةُ وجوهَ القوم، وظهرت علامات براءة مريم،

    فانشرح صدرها، وحمدت الله على نعمته.



    لكن أعداء الله - اليهود - خافوا على عرشهم وثرواتهم، فبعث ملكهم جنوده ليقتلوا

    هذا الوليد المبارك، فهاجرت به مريم، ومعها يوسف النجار إلى مصر، حيث

    مكثوا بها اثنتى عشرة سنة، تَرَّبى فيها المسيح، ثم عادت إلى فلسطين بعد موت

    هذا الملك الطاغية، واستقرت ببلدة الناصرة، وظلت فيها حتى بلغ المسيح ثلاثين

    عامًا فبعثه اللّه برسالته، فشاركته أمه أعباءها، وأعباء اضطهاد اليهود له

    وكيدهم به، حتى إذا أرادوا قتله، أنقذه الله من بين أيديهم، وألقى شَبَهَهُ على

    أحد تلاميذه الخائنين وهو يهوذا، فأخذه اليهود فصلبوه حيا. بينما رفع اللَّه

    عيسى إليه مصداقًا لقوله تعالينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم)[النساء: 157]،

    سيدة نساء قريش

    ( خديجة بنت خويلد )


    كان رسول اللَّه ( لا يخرج من البيت حتى يذكرها فيحسن الثناء عليها.

    هى أم المؤمنين، وخير نساء العالمين، السيدة خديجة بنت خويلد

    -رضى اللَّه عنها- كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لطهارة سريرتها

    وسيرتها، وكان أهل مكة يصفونها بسيدة نساء قريش، وكانت ذات شرف

    ومال وحزم وعقل، وكان لها تجارة، فاختارت النبي

    ( ليقوم بها، وبرَّرت ذلك الاختيار بقولها له: إنه مما دعانى إليك دون أهل مكة

    ما بلغنى من صدق حديثك، وعظيم أمانتك، وكرم أخلاقك. وقد سمعت من غلامها

    ميسرة -الذى رافق النبي ( في رحلته إلى الشام -ما أكد لها صدق حدسها ونظرتها

    في أمانته وصدقه وحسن سيرته في الناس، فقد روى لها ما رآه في طريق

    الذهاب والعودة عن الغمامة التي كانت تظلل النبي

    ( حين يشتد الحر، وعن خُلق النبي ( وسلوكياته في التجارة، وأخبرها بأنه كان لا

    يعرض شيئًا عُنْوة على أحد، وأنه كان أمينًا في معاملاته، فأحبه تجَّار الشام وفضَّلوه

    على غيره. كل هذه الأخبار عن النبي ( جعلت السيدة خديجة - رضى اللَّه عنها -

    ترغب في الزواج من النبي(، فعرضت نفسها عليه، وبعثت إليه من يخبره برغبتها

    في الزواج منه، لما رأت فيه من جميل الخصال وسديد الأفعال



    وفكر رسول اللَّه ( في الأمر، فوجد التي تدعوه إلى الزواج امرأة ذات شرف وكفاءة،

    من أوسط قريش نسبًا، وأطهرهم قلبًا ويدًا، فلم يتردد.


    وتزوج محمد الأمين ( (وعمره خمسة وعشرون عامًا) خديجة الطاهرة

    (وعمرها أربعون عامًا)، فولدت له أولاده كلهم - عدا إبراهيم - وهم:

    زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، والقاسم، وعبد الله.

    وكانت -رضى الله عنها- مثالا للوفاء والطاعة، تسعى إلى مرضاة زوجها،

    ولما رأت حبه ( لخادمها زيد بن حارثة وهبته له.

    وعندما نزل الوحى على رسول اللَّه ( كانت أول من آمن به. فقد جاءها الرسول

    ( يرتجف، ويقص عليها ما رأى في غار حراء، ويقول: "زمِّلونى زمِّلوني"

    أى غطُّوني. فغطته حتى ذهب عنه ما به من الخوف والفزع، ثم أخبرها -

    رضى اللَّه عنها - بما رأى في الغار وبما سمع، حتى قال: "لقد خشيتُ على نفسي".

    فأجابته بلا تردد وطمأنته في حكمة بكلماتها التي نزلت عليه بردًا وسلامًا فأذابت ما به

    من خوف وهلع، قائلة: "كلا واللَّه، ما يخزيك اللَّه أبدًا؛ إنك لتصل الرحم،

    وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِى الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق" [البخاري].

    ثم سارعت إلى التصديق برسالته والدخول معه في الدين الجديد.. فكان قولها

    الحكيم تثبيتًا لفؤاد النبي ( وتسرية عنه.


    إنها لحكيمة لبيبة عاقلة، علمت بشفافيتها ونور بصيرتها حقيقة الأمر،

    وأن اللَّه لا يجزى عن الخير إلا الخير، ولا يجزى عن الإحسان إلا الإحسان،

    وأنه يزيد المهتدين هدي، ويزيد الصادقين صدقًا على صدقهم، فقالت:

    أبشر يابن عم واثبت، فوالذى نفسى بيده، إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة



    ثم أرادت أن تؤكد لنفسها ولزوجها صِدْقَ ما ذَهَبَا إليه، فتوجهت إلى ابن عمها

    ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ في التوراة والإنجيل وعنده علم بالكتاب -فقد تنصر

    في الجاهلية وترك عبادة الأصنام- فقصت عليه الخبر، فقال ورقة: قدوس قدُّوس،

    والذى نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقْتينى يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر

    الذي كان يأتى موسى، وإنه لنبى هذه الأمة، فقولى له: فليثبت.


    فلما سمعت خديجة -رضى اللَّه عنها- ذلك، أسرعت بالرجوع إلى زوجها وقرة

    عينها رسول اللَّه (، وأخبرته بالنبوة والبشرى فهدَّأت من رَوْعِه.

    وكانت -رضى الله عنها- تهيئ للنبى ( الزاد والشراب ليقضى شهر رمضان

    في غار حراء، وكانت تصحبه أو تزوره أحيانًا، وقد تمكث معه أيامًا تؤنس وحشته وترعاه.

    وقوله تعالي: (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[ النساء: 158] .

    ولما دخل النبي ( والمسلمون شِعْبِ أبى طالب، وحاصرهم كفار قريش دخلت

    معهم السيدة خديجة -رضى الله عنها-، وذاقت مرارة الجوع والحرمان،

    وهى صاحبة الثراء والنعيم.

    فرضى اللَّه عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، كانت نعم العون لرسول اللَّه

    ( منذ أول يوم في رحلة الدعوة الشاقة، آمنت به وصدقته، فكان إيمانها أول

    البشرى بصدق الدعوة وانتصار الدين. وثبتت إلى جواره وواسته بمالها،

    وحبها، وحكمتها، وكانت حصنًا له ولدعوته ولأصحابه الأولين، بإيمانها العميق،

    وعقلها الراجح، وحبها الفياض، وجاهها العريض، فوقفت بجانبه حتى اشتد

    ساعده، وازداد المسلمون، وانطلقت الدعوة إلى ما قدر اللَّه لها من نصر

    وظهور، وما هيأ لها من ذيوع وانتشار.. فلا عجب إذن إذا ما نزل جبريل

    على رسول اللَّه ( يقول: يا رسول اللَّه! هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه

    إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنى

    وبشرها ببيت في الجنة من قصب (من لؤلؤ مجوَّف) لا صَخَب فيه ولانَصَب

    (لا ضجيج فيه ولا تعب) [متفق عليه]. ولا عجب إذا ما تفانى رسول اللَّه

    ( في حبها، إلى درجة يقول معها: "إنى لأحب حبيبها" [الدولابي].


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    وكان رسول الله ( ربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صواحب خديجة"

    [الدولابى - عنه ابن حجر في الإصابة].

    لقد كانت مثاًلا للزوجة الصالحة، وللأم الحانية، وللمسلمة الصادقة،

    وصدق رسول الله ( إذ يقول: "كُمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا

    مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد" [متفق عليه].

    وتُوفيت -رضى اللَّه عنها- في رمضان قبل الهجرة بأعوام ثلاثة، في نفس

    العام الذي تُوفِّى فيه أبو طالب: عام الحزن كما سماه رسول اللَّه

    (، حيث فقد فيه المعين والسند، إلا رب العالمين. ودفنت بالحجون، ونزل رسول اللَّه

    ( في حفرتها التي دفنت فيها، وكان موتها قبل أن تشرع صلاة الجنائز

    وتوفيت مريم بعد رفع عيسى -عليه السلام- بخمس سنوات، وكان عمرها

    حينئذ ثلاثًا وخمسين سنة، ويقال: إن قبرها فى أرض دمشق .

    هذه هى قصة السيدة المؤمنة مريم كما حكاها لنا القرآن الكريم، وهو كلام الله تعالى

    الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وقد بين لنا القرآن الكريم كفرَ

    اليهود وإلحادهم وإشراك النصارى وادّعاءاتهم. حيث يقول الله تعالي:

    (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) [النساء: 65_] .



    وقولهم: المسيح هو ابن الله، وعبادتهم له ولأمه مريم ولروح القدس (جبريل)

    إنما هو قول باطل، يخرج صاحبه من نور التوحيد إلى ظلام الكفر والشرك.


    ولقد نعى الله عليهم ما هم فيه من الشرك والضلال والكفر، وأوْضَحَ لهم فساد عقيدتهم؛

    حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، عسى أن يتوبوا إليه؛ فقال تعالي:

    ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى

    ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ

    وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ

    مَا فِى السَّمَاوَات وَمَا فِى الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) [النساء:117].

    ويوضح الله كُفر مَنْ يزعم أن المسيح ابن الله؛ فالمسيح -عليه السلام-

    لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرّا. يقول تعالي:

    (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا

    إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الأَرْضِ جَمِيعًا) [المائدة: 17].



    ويقول تعالينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ

    كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المائدة: 75].


    ويبين الله -تعالي- براءة المسيح مما ادعوه عليه من الألوهية والعبادة.

    يقول سبحانه(وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلَهَيْنِ

    مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ

    عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.

    اللّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ

    عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة : 116-117].





      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 0:55