ملّت الجماهير من "الأراجوز" الذي يتراقص طوال الوقت، متلاعباً بوسطه ومؤخرته في تحكّم غريب تحسده عليه أشهر راقصات مصر.. ضاقت بنبرات صوته التي تُذكّرك بشكمان السيارة المخروم، وملامح وجهه المريضة التي لم تعد تضحك بقدر ما تصيب مَن يشاهدها بالتخلّف والعته.. وقبل الملل والضيق كانت هناك أسباب أخرى لتعلن الجماهير تمرّدها على أراجوزها الذي كان مُفضّلاً حتى وقت قريب..
أوّل هذه الأسباب هو الإيمان التام أن بداخل هذا الأراجوز موهبة جبّارة، وقدرات تمثيلية خارقة لم يظهر منها سوى القدر القليل فحسب، ليتكاسل عن البحث عن شيء جديد في جعبته المليئة بالطاقة التمثيلية والأداء القوي، مكتفياً بهذا القدر طالما أنه "واكل" مع الجمهور الذي كان يضحك ويُصفّق، فتتحقق على يديه الإيرادات الكبرى، كما أن هناك كوميديانات آخرين، ربما لا يتمتعون بموهبة وقدرات "محمد سعد"، لكنهم -على الأقل- فهموا متطلّبات السوق، وقواعد اللعبة، فسعوا للتجديد والابتكار، معتمدين على ذكائهم أكثر من موهبتهم، فنقلوا الجمهور لأفاق أوسع، وفتحوا عينه على أفكار مختلفة، ونوعية أفلام جديدة كان في حاجة إليها، لكنه لم يجد من يُقدّمها، ومع الوقت اكتشف الجمهور "الخدعة" التي كان واقعاً تحت تأثيرها، ليستيقظ من غفوته ويذهب إلى من يُقدّر عقليته ورغباته، حتى بدأت "اللمة" تتناقص من حول "الأراجوز" شيئاً فشيئاً، ليجد نفسه وحيداً وسط بواقي من البشر لا يضحكون مثلما كانوا يضحكون، ولا يُصفّقون مثلما كانوا يصفقون، و"الإيرادات ما بتكدبش"!
هو فيه حاجة غلط؟!
سؤال حتماً ولا بد أن الفنان محمد سعد، الموهوب -لكنه قليل الذكاء- قد طرحه على نفسه، في لحظة إعادة الحسابات، وترتيب الأوراق، في محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والبحث عن "حيلة" جديدة تعيد إليه مجده الذي بدأ في الزوال، ليظل يبحث عن إجابته طوال عامين كاملين، في أصعب اختبارات حياته، ورغم أنه تأنّى في الإجابة، وأخذ يُفكّر، ويراجع، إلا أن النتيجة -بكل أسف- لم تساوِ أكثر من صفر!
كلا.. لم أتنبّأ بذلك منذ أول وهلة شاهدت فيها إعلانات "اللمبي 8 جيجا" بنفس الشخصية المكررة، وطريقة الأداء الثابتة والباهتة، وإفيهاتها المحروقة، بل كان التنبؤ منذ أن سمعت أن فيلم محمد سعد الجديد الذي يستعد لبطولته يحمل اسم "اللمبي" من جديد.. تاني "اللمبي" يا "سعد"؟.. هي الناس بتتقدّم ولا بتتأخر؟.. وكيف تعود الآن لما بدأته منذ 8 سنوات؟ أهذا هو ما هداه إليك عقلك وتفكيرك لتعود لإثبات نفسك مرة أخرى؟!
فبعد أن قدّمت "اللمبي" كأول بطولة سينمائية مطلقة، عدت لاستغلال نفس "الكاراكتر"، لكن في فيلم يحمل اسماً منفصلاً بعنوان "اللي بالي بالك"، وظهرت فيه بشخصيتين حتى لا تحصر الجمهور في شخصية واحدة، وحَسَب لك الجمهور والنقاد هذه الخطوة في رصيدك الفني، وعدّل كل من سابق وهاجمك عن رأيه بعد أن وجد فيك بادرة ذكاء وحسن اختيار، لتواصل بعدها تغيير شخصياتك في "عوكل" و"بوحة" و"كركر" و"بوشكاش"، وبغض النظر عن أن التغيير كان يسير للخلف، وطريقة الأداء كانت تتراجع في اتجاه عكسي من سيئ لأسوأ، إلا أنك -على الأقل- كنت تحاول التغيير، فهل الحل هو أن تعود من حيث بدأت لتحقق نفس النجاح الغائب؟ هل تصوّرت أن هذه "الحيلة" ستجعل إيراداتك تعود لتكسر حاجز العشرين مليون جنيه مثلما حقق "اللمبي" الأصلي؟
يا ألف خسارة
"اللمبي - محمد سعد" سمسار قواضي يقوم بتوصيل الزبائن للمحامين ويأخذ عمولته، يتزحلق في قشرة موز، فيصاب بـ"التربنة"، فيقوم الطبيب بغرس شريحة مساحتها 8 جيجا في جسمه لتقوم بتنظيم إشارات مخه العصبية، فيقوم بتحميل مواد القانون عليها ليتحوّل إلى محامٍ كبير ويتغيّر حاله هو وزوجته "نجلاء - مي عز الدين"، حتى يصبح شخصاً مهماً، لكنه يكتشف أنه دهس كل الغلابة والفقراء في سكته، فيقرر أن يعود إلى ما كان عليه!
هذه هي القصة التي يمكن اختصارها في ثلث ساعة فقط، ومعها مجموعة من الاسكتشات والمَشاهد المحشورة حشراً في سياق الفيلم دون أي مبرر أو توظيف درامي، فقط لإضحاك الناس فحسب، لكن لا الناس بتضحك، ولا هي مستمتعة بالتمثيل!
كل من شارك في الفيلم، مسئول عن هذا الفشل الفني الذريع، وإن لم يحاسبه جمهوره فعليه أن يُحاسب نفسه حساباً عسيراً، وعلى رأسهم محمد سعد الذي أثبت أنه ضحية "دماغه"، وحسن حسني الذي يثير لديّ قائمة من علامات الاستفهام حول أعماله الأخيرة التي لم يعد يختار فيها شخصياته وأدواره، وكأن موهبته الفذة وتاريخه الفني الثمين لا يعنيان له شيئاً، أما مي عز الدين فقَبْل أن تكون مسئولة عن دورها الهامشي السطحي، فهي مسئولة عن تلك التصريحات العنترية التي أتحفتنا بها في الصحف والمجلات في الفترة الماضية، لتؤكّد فيها أنها تتمنّى لو تصبح كل أعمالها مع محمد سعد، وأنه يحقّ له أن يتدخّل في مساحة أدواره وأدوار زملائه ليحافظ على نجوميته ونجاحه، بطريقة جعلتني أشعر أن "سعد" قد بهرها وسحرها بشخصية جديدة، وأداءً متميّزاً، قبل أن يصدمني الفيلم أنا ومن شاهده معي، وأندهش بحق من مصدر ثقة مي عز الدين في تصريحاتها التي تأكّدت أنها "على ما فيش".
وإني لأتساءل: هل عملاً بهذا المستوى هو الذي يجعلكِ تتمنين أن تعملي مع "سعد" دائماً؟ وهل هذا المسخ الفني هو ثمرة التدخلات؟ إذا كانت تصريحاتك من قبيل تشجيعكِ ودعمكِ لـ"سعد" فأنتِ -بدون قصد- تضرين به كثيراً مثل "الدبة العميا" التي قتلت صاحبها، وكان أوْلى بكِ أن تنصحيه أن يتأنّى في اختيار فكرة قوية، وعملاً مهماً يعود به بعد غياب، وإلا فأنتِ أيضاً ضحية دماغك مثله، والطيور على أشكالها تقع!
نفس الملحوظات أوجهها إلى السينارست نادر صلاح الدين، رغم ما أعرفه عنه كمؤلف موهوب، ومخرج مسرحي متميّز، فهل حدثت تدخلات أفسدت عمله، أم إنه استسهل في هذه المرة باعتبار أنه يتعامل مع محمد سعد؟ وكان الناجي الوحيد -من وجهة نظري- هو المخرج أشرف فايق الذي يعدّ هذا العمل بداية موفّقة له كأول تجربة، وأعتقد أنه إذا ما تعاون مع نجم "ذكي"، وامتلك فكرة قوية، سيصبح من المخرجين المتميزين في السينما المصرية.
هذه هي القصة التي يمكن اختصارها في ثلث ساعة فقط، ومعها مجموعة من الاسكتشات والمَشاهد المحشورة حشراً في سياق الفيلم دون أي مبرر أو توظيف درامي، فقط لإضحاك الناس فحسب، لكن لا الناس بتضحك، ولا هي مستمتعة بالتمثيل!
كل من شارك في الفيلم، مسئول عن هذا الفشل الفني الذريع، وإن لم يحاسبه جمهوره فعليه أن يُحاسب نفسه حساباً عسيراً، وعلى رأسهم محمد سعد الذي أثبت أنه ضحية "دماغه"، وحسن حسني الذي يثير لديّ قائمة من علامات الاستفهام حول أعماله الأخيرة التي لم يعد يختار فيها شخصياته وأدواره، وكأن موهبته الفذة وتاريخه الفني الثمين لا يعنيان له شيئاً، أما مي عز الدين فقَبْل أن تكون مسئولة عن دورها الهامشي السطحي، فهي مسئولة عن تلك التصريحات العنترية التي أتحفتنا بها في الصحف والمجلات في الفترة الماضية، لتؤكّد فيها أنها تتمنّى لو تصبح كل أعمالها مع محمد سعد، وأنه يحقّ له أن يتدخّل في مساحة أدواره وأدوار زملائه ليحافظ على نجوميته ونجاحه، بطريقة جعلتني أشعر أن "سعد" قد بهرها وسحرها بشخصية جديدة، وأداءً متميّزاً، قبل أن يصدمني الفيلم أنا ومن شاهده معي، وأندهش بحق من مصدر ثقة مي عز الدين في تصريحاتها التي تأكّدت أنها "على ما فيش".
وإني لأتساءل: هل عملاً بهذا المستوى هو الذي يجعلكِ تتمنين أن تعملي مع "سعد" دائماً؟ وهل هذا المسخ الفني هو ثمرة التدخلات؟ إذا كانت تصريحاتك من قبيل تشجيعكِ ودعمكِ لـ"سعد" فأنتِ -بدون قصد- تضرين به كثيراً مثل "الدبة العميا" التي قتلت صاحبها، وكان أوْلى بكِ أن تنصحيه أن يتأنّى في اختيار فكرة قوية، وعملاً مهماً يعود به بعد غياب، وإلا فأنتِ أيضاً ضحية دماغك مثله، والطيور على أشكالها تقع!
نفس الملحوظات أوجهها إلى السينارست نادر صلاح الدين، رغم ما أعرفه عنه كمؤلف موهوب، ومخرج مسرحي متميّز، فهل حدثت تدخلات أفسدت عمله، أم إنه استسهل في هذه المرة باعتبار أنه يتعامل مع محمد سعد؟ وكان الناجي الوحيد -من وجهة نظري- هو المخرج أشرف فايق الذي يعدّ هذا العمل بداية موفّقة له كأول تجربة، وأعتقد أنه إذا ما تعاون مع نجم "ذكي"، وامتلك فكرة قوية، سيصبح من المخرجين المتميزين في السينما المصرية.