مات خالد سعيد، مواطن سكندري شاب يقول شهود العيان إنه كان شاباً ممتازاً خلوقاً متعلماً بأمريكا، ويعشق الموسيقى والوحدة، أقنعه صديق أن يخرج من بيته للصيد، رجع بالشورت من البحر؛ ليُضرب حتى الموت أمام بيته، هذا ما يقوله سكان الشارع، صاحب مقهى الإنترنت وجيرانه في شهاداتهم المصوَّرة، أما الداخلية فتعلن في نشرات التليفزيون المصري أنه كان متهرباً من أربع قضايا جنائية، ومتهرب من الخدمة العسكرية لتظهر صورة بطاقة إنهاء خدمته في وسائل الإعلام لتدْرأ عنه التهمة الثانية، ويُنكر جيرانه التهم الأولى، قالت الداخلية إنه مات مخنوقا مستشهدة بتقرير الطب الشرعي الذي لم يكن قد صدر بعد، ونفت بقسوة جمجمة الشاب المحطمة تهمة الاختناق، وفاقت الصور حدود البشاعة التي اعتادها المصريون.
مات خالد وتوجَّعت ضمائر أكثر من مائة وثلاثين ألف شاب يتجمعون على الفيس بوك ويُعلنون "أنا اسمي خالد سعيد"؛ ليحكوا حكايته ويتعقبوا دمه، ينشرون فيديوهات لشهادات حية لمن رأوا بأعينهم ويتكلمون ويفضحون أحداثا أخرى للتعذيب لم تكن سرا، ولكن صداها الآن أوسع. ينبشون ملف التعذيب الأسود. مات "خالد سعيد" وأخشى أن تموت معه روح الدولة، وتبدأ شريعة الغاب، فتعليقات الشباب الغاضبة على الخبر ومتعلقاته في أنحاء الشبكة العنكبوتية تنذر أن ثقة الناس قد انعدمت في الشرطة وفي أي جهة حكومية ولا عشم فيهم ليأتوا بحق المواطن لو ضاع. فخالد لم يكن سياسيا أو مناضلا (وهي موضوعات يقلق منها المصريون بحكم التاريخ والتربية)، ولم يكن مشاغباً ولا ردّ سجون، ولكنه لم يسلم من العذاب فمات ليتوحد في روحه آلاف الشباب.
القضية الآن أمام القضاء، وبها تفاصيل مفزعة، كذلك الفيديو الذي شاهده وتداوله عشرات الآلاف، والذي تتهم أسرة الشهيد المخبرين بقتله لأنه قد نشره، وهدَّد مصالحهم وأرزاقهم، ويظهر بالفيديو ضباط بالقسم يقسِّمون ضبطية من النقود والمخدرات على بعضهم.
الموضوع بات قضية رأي عام تشغل الناس وتثقل صدورهم، والأدلَّة تملأ اليوتيوب على الملأ، فلم تُجْدِ طرق التغطية والبيانات المعتادة التي أثارت التعليقات الساخرة من رواد أغلب مواقع الإنترنت. ويبقى السؤال: من هو المستفيد من انهيار الثقة بين أحد أهم أعمدة الدولة والشارع؟ من الرابح من ترويع المصريين؟ ولماذا تدافع الداخلية عن نفسها وكأن فساد أحد رجالها هو إهانة شخصية؟ والأعجب كيف تعيد للخدمة ضابطاً حُكم عليه من قبل في قضية تعذيب أو هتك عرض وتأمل أن يظل إحساس الناس بالأمان والتواصل معها موجودا؟ وكيف نتوقع أن يجرؤ أي مصري بعد اليوم على كشف جريمة أو الاعتراض عليها؟ ألا يرى السيد وزير الداخلية وهو مسئول سياسي نتيجة سياسات من يعادينا في أراضينا؟ لم نكن جبهتين وأصبحنا، وكأن شعار الشرطة الجديد بات "الشرطة ضد الشعب"، والنتيجة بالتأكيد لن يكسب أحد. ارحموا هذا الوطن؛ فالعدل ثمين وندرته تنذر بالكوارث، وكما قال شباب الفيس بوك "كلنا خالد سعيد" فهذا لسان حال المصري هذه الأيام الذي بات يؤمن بأن أحدهم قد باع الوطن وتركه في شارع لا يجرؤ أن يستغيث فيه ويقول "الحقْ يا شاويش"؛ خوفاً من الشاويش ذاته، فهل نصلح الردع، ونمدّ اليد، ونذكّر أن العند يولد الكفر، أم نمضي قدما بكل حزم، وعليّ وعلى إخواتي يا رب.